هي نجيبة بنت محمّد بن حميدة وفاطمة العذاري أصيلة بلدة أكودة بالساحل التونسي. ولدت في 26 جويلية 1920 وسط أسرة وطنيّة، متعلّمة ومنفتحة، كغالبيّة العائلات الأكوديّة التي آمنت بالتعليم لتغيير العقليّات ومقاومة الركود والتخلّف الفكري والاستعمار الفرنسي، فأرسلت أبناءها إلى المدارس العصريّة. زاولت البنت نجيبة تعليمها الابتدائي مع شقيقاتها الثلاث بدرة ورفيقة وبهجة بمدرسة المحطّة للفتيات (قبالة محطة القطار) بمدينة سوسة والثانوي بمعهد الفتيات بنفس المدينة، فيما زاول شقيقها فخر الدين بن حميدة (1923-2000) دراسته الابتدائية بالمدرسة الفرنسيّة- العربيّة بأكودة (التي فتحت أبوابها سنة 1910) والثانوية بمعهد الذكور بسوسة والعليا بباريس، ليصبح أستاذ الفيزياء والبيولوجيا بجامعة باريس ومدير بحوث بالمركز الوطني للبحث العلمي (Centre National de Recherche Scientifique) وأوّل عضو تونسي منتخب بأكاديمية العلوم (L’Académie des Sciences) بفرنسا منذ انبعاثها سنة 1966.
وفي سنة 1941 تزوّجت نجيبة بن حميدة من طبيب العيون المتخرّج من كلّية الطبّ بباريس، الدكتور علي اسكندراني واستقرّا معا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بالفيلا الكائنة قبالة المعهد الفنّي بسوسة. وقد أنجبا ابنين هما: سمير وفؤاد.
منذ نعومة أظفارها أبدت نجيبة اهتماما واضحا بالشأن الاجتماعي و مساعدة الفقراء والمحرومين من جيرانها ومتساكني بلدتها أو متساكني مدينة سوسة. ففي سنة 1947 تولّت بعث فرع فرقة ـ «حبيبات الكشافة» لجمعيّة الكشّاف المسلم التونسي مع كلّ من زمردة نور الدين وعروسيّة مزابي ودرعيّة عصمان. كما كُلّفت بتسليم الوطنيّين والمقاومين بجهة الساحل بعض الوثائق والتعليمات السريّة الواردة من قيادة الحزب الدستوري (جامعة الساحل الشمالي) التي كان يترأسها الصيدلاني بمدينة سوسة، جلّول بن شريفة.
إثر الاستقلال كانت نجيبة اسكندراني أوّل امرأة تُنتخب بالمجلس البلدي لمدينة سوسة (يوم 5 ماي 1957) عن قائمة الحزب الدستوري الحاكم التي ترأسها الأستاذ أحمد نور الدين. كما انتخبت في المجالس البلدية المتتالية لدورات نيابيّة عديدة وذلك إلى غاية سنة 1975.
انخرطت نجيبة اسكندراني منذ سنة 1956 في عديد المنظمات الوطنية والجمعيّات ذات الصبغة الاجتماعيّة وفي مقدّمتها الاتحاد الوطني للمكفوفين (فرع سوسة) الذي نشطت وناضلت صلبه لسنوات عديدة بمدّ يد المساعدة لفائدة مكفوفي البصر وضعافه بجهة الساحل، إلى درجة أنّها أصبحت تعرفُ باسم «أمّ المكفوفين». ومن مظاهر نشاطها هذا توليها سنة 1992 رفقة السيّد كمال قحبيش والدكتور المنصف حمدان تنظيم «تظاهرة اليوم الصحّي» بدعوة عدد من الأطباء للقيام بفحوصات طيلة يوم كامل على كلّ الكفيفات المقيمات بالمركز واللواتي بلغ عددهنّ حينئذ 38 كفيفة. وبالتعاون مع السيّدة سامية إرناز حرم عمّار أقدمت لاحقا على تزويج خمسة أزواج من المكفوفات والمكفوفين وتوفير كلّ مستلزمات الزواج ومراسمه من ألبسة للعروسة والعريس وتجهيزات البيت بالكامل لكلّ زوجين وإبرام عقود القران وإقامة الحفلات مع ضمان النقل وتوفير المرطبات والمشروبات... إلخ.
وبالتعاون مع الدكتور هشام بن سعيد والدكتور المنصف حمدان، أقدمت على إدخال إصلاحات على مركز إيواء الكفيفات بالمبنى المعروف بـ «لازارات» (Lazareth) الكائن بمدخل المدينة يمين السكة الحديديّة الرابطة بين تونس وسوسة وتجهيزه ببيوت الحمام وآلات التدفئة وأجهزة التلفاز... إلخ. كما تولّت تهيئة المبيت الجديد لمعهد الكفيف بسوسة الذي تقدر مساحته بـ 300 متر مربّع من أسرّة وأغطية وأثاث... و تهيئة الحديقة الخارجية وإصلاح الجدران والأبواب وغيرها.
ولإدخال الفرحة على نفوس المكفوفين المقيمين بالمبيت خلال شهر رمضان المبارك، تولّت هذه السيّدة المحسنة تنظيم موائد إفطار جماعيّة بهذا المبيت لفائدة كفيف مدينة سوسة والقرى والمدن المجاورة من ضعاف الحال، وإقامة سهرات ليلية (ليلة النصف وليلة 27 من كلّ شهر) وتوزيع مساعدات مالية وملابس عليهم.
انتُخبت نجيبة اسكندراني صلب المكتب الجهوي للاتحاد القومي النسائي منذ سنة 1956 برئاسة السيّدة بهيجة بوستّة زوجة الصيدلاني عبد السلام بوستّة وذلك إلى غاية التسعينات. وبهذا الفرع قدّمت خدمات جليلة لفائدة المرأة بمدينة سوسة وبجهة الساحل عامّة وشاركت في البرامج الوطنية الكبرى التي أقرّتها الدولة منذ مطلع الاستقلال كبرنامج تعليم الكبار ومقاومة الأمية وبرنامج تحديد النسل والتنظيم العائلي وبرنامج التكوين المهني للفتاة... إلخ.
كما ساهمت منذ سنة 1956 في بعث فرع للهلال الأحمر التونسي بسوسة وفرع لـ «جمعية القاصرين عن الحركة العضويّة» بمدينة سوسة (Association Poly Handicapés + Régionale des Insuffisants Moteurs)، التي ترأسها الدكتور المنصف حمدان لسنوات... و«مركز لرعاية المسنّين بسوسة» و فرع لـ «الاتحاد التونسي لإعانة الأشخاص القاصرين ذهنيا» وفرع لـ «الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي» (بسوسة المدينة)... وغيرها من الجمعيّات الأخرى ذات الصبغة الاجتماعيّة.
ولم تتخلّف، بالتعاون مع رفيقات دربها، عن تقديم يد المساعدة للمرضى بتنظيم قوافل صحيّة مجّانيّة لفائدة المرضى بمدن وقرى الساحل للكشف عن بعض الأمراض المزمنة كالسكري وضغط الدم ومرض السلّ وأمراض العيون... أو بالتدخل جراحيا على المصابين بمرض الكحلي بقسم العيون بمستشفى فرحات حشاد الذي كانت تديره الدكتورة فافني بالحاج حميدة. ولم تنس الأيتام والأطفال والبنات فاقدي السند العائلي في المناسبات والأعياد الدينية بإكساء البعض أو بتجهيز البعض الآخر قبل زواجهنّ.
نالت السيدة نجيبة اسكندراني عديد الأوسمة وشهادات التقدير والاعترافات الوطنيّة والجهويّة الكثيرة جدّا، وذلك مكافأة لها على نضالها طوال مسيرتها الجمعيّاتيّة الاستثنائيّة...
وقد توفّيت المناضلة نجيبة اسكندراني فجر يوم عيد الأضحى الموافق ليوم السبت 04 أكتوبر 2014 ودُفنت في اليوم الموالي بمقبرة سوسة القببلية (طريق المنستير) تاركة لوعة في كل من جَايَلَهَا وعرفها عن قرب نتيجة حبّها لكل الناس وفعلها للخير ومساعدة الفقراء والمحتاجين وذوي الحاجيات الخصوصيّة وخدمتها للجميع دون أيّ تمييز بينهم.
وبمناسبة مرور سنة على وفاتها انتظم أمام الدائرة الجنوبية لبلدية سوسة حفل حميمي تمّ خلاله تدشين نهج يحمل اسمها حيث تولى السيد محمّد المكني (رئيس النياية الخصوصية لبلدية سوسة) وابنها السيد فؤاد اسكندراني الكشف عن اللوحة: «نهج نجيبة اسكندراني» مع الإشارة إلى صفتها (مناضلة في ميدان العمل الاجتماعي 1920-2014). كما وقع التنصيص على الترقيم البريدي للمنطقة التي بها النهج (الترقيم البريدي 4061). وهذا التنصيص ببادرة من لجنة التنظيم، هو فريد من نوعه بمدينة سوسة وعديد المدن التونسية حيث نجد أسماء لأنهج لا نعرف دلالتها وإن عرف بعضهم، فالأجيال القادمة لن تعرف ذلك. وبهذه المناسبة تولت لجنة التنظيم طبع كُتيّب يرسم حياة الفقيدة مع صور لمختلف أنشطتها، تمّ طبع الكتيب بطريقة «برايل» خصيصا للمكفوفين الحاضرين من الذين كانوا يحـظون بعناية خاصة من لدن الفقيدة.
كما تضمّن الكتيّب الكلمات التي ألقيت في موكب الأربعينية. وقد حضر الحفل أفراد عائلتها وعدد من أصدقائها ورؤساء جمعيات كانت تتعامل معهم الفقيدة.
رحم الله «أمّي نجيبة» كما يحلو للجميع تسميتها بجهة الساحل.
عادل بن يوسف
شارع عبد العزيز آل سعود - نهج الشهيد فرحات ين عافية المنار2 - 2092 - تونس - الجمهورية التونسية